"الكنيسة هى خلاصك وملجأك، أنها مرتفعة أكثر من السماء وواسعة أرحب من الأرض أنها  لا تقدم ولا تشيخ لكنها دائماً فى بهاء" (القديس يوحنا ذهبى الفم).
اعتدانا أن نطلق كلمة (كنسى) على  من يحب الطقوس أو الألحان أو من  يكون مهتماً بترتيب الممارسات داخل الكنيسة، هنا ويصير بين المؤمنين من  هو "كنسى" بهذا المعنى ومن هو
"غير الكنسى"!لذلك نفضل هنا أن نقول "كنسية الحياة"  أى الحياة التى تحمل طبيعة وسمات "الكنيسة".
فالكنيسة هى الخلق الجديد للطبيعة البشرية التى سقطت فى آدم وتجددت فى المسيح وصار هو رأساً لها.
وكل الترتيبات والصلوات والطقوس  التى تتم داخل الكنيسة إنما هى التعبير  عن ممارسة هذه الحياة الجديدة بصورة عملية.
فنوال الخلاص وقبول الحياة الجديدة هو انضمام للكنيسة "كان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون" (أع 47:2).
وعملية الضم هذا تتم بسر المعمودية "لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد.. وجميعنا سقينا روحاً واحداً" (1كو 13:12).

وكان كل الذين ينضمون إلى هذه الكيان الجديد (الكنيسة جسد المسيح)، "كانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات" (أع 42:2)، وهذا هو سر الإفخارستيا أو "القداس الإلهى"، والحياة الجديدة، حياة الخلاص، هى "حياة التسبيح"، "سبحوا الرب تسبيحاً جديداً".
لذلك كان كل المنضمين إلى الكنيسة "كل يوم فى الهيكل يواظبون بنفس واحدة وإذ هم يكسرون الخبز فى البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب مسبحين الله"
(أع 46:2).
هنا التسبيح هو التعبير الأساسى عن  الحياة الجديدة، وهذا هو ببساطة  "طقس التسبحة". وفى الكنيسة ظهرت  خدمة الفقراء "أخوة الرب" إذ "أن الأملاك والمقتنيات كانوا يبيعونها ويقسمونها بين الجميع كما يكون لكل واحد إحتياج"  (أع 45:2)، وفيها ظهرت خدمة الشمامسة ورتبهم (أع 6)، وفيها ترتيب الأواشى والصلوات المختلفة لأجل كل الفئات "أما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله" (أع 5:12)، وكان الرسل يحافظون على الصلوات الليتورجية "صلوات السواعى والأجبية"، "صعد بطرس ويوحنا معاً إلى الهيكل فى ساعة الصلاة التاسعة".
الكنيسة إذاً ليست مفهوماً عقلياً مدرسياً وإنما حياة وتطبيق وممارسة ونحن نصف الحياة داخل الكنيسة بأنها حياة ليتورجية باعتبار أن صاحبها يعيش حياته الجديدة بعضويته الدائمة فى جسد المسيح الذى هو الكنيسة يحيا حياتها ويمارس أعمالها ويحمل سماتها ويستمد منها خلاصه ونموه وتقواه، ولذلك نحن لا نفرق بين عبادة شخصية وعبادة ليتورجية، توبتى وعبادتى الشخصية تقوى "الكنيسة" وليتورجيات الكنيسة تمدنى بالحياة والخلاص والنمو والتقوى.
بركات الحياة الليتورجية :

1- تقديس الزمان :
هذا الزمان الذى يتآكلنا، ينقضى، ينصرم، تحوله الكنيسة فى دورات ليتورجية إلى زمان الفداء، زمان الأبدية والخلود.
فاليوم يصبح يوماً للمسيح، يحمل سمات الحياة الجديدة (صلوات الأجبية) والأسبوع يصير زماناً للفداء والخلاص "التسبحة اليومية" والعام كله يصبح زماناً مقدساً (الأعياد السيدية).
هكذا كما أتحد اللاهوت  بالناسوت فى شخص المسيح  القدوس بلا اقتران وبلا امتزاج هكذا  يتحول زماننا الفانى والمائت - فى  المسيح - بالليتورجية إلى زمان  جديد، لا يحمل للإنسان الشيخوخة  والموتى والفناء وإنما التجديد  والخلاص والفداء!

2- تقديس المادة :
العالم المادى هو حضور الله فى  حياة الإنسان، إعلان هذا الحضور  وهذا الحب، يعود من جديد يتقدس  بالصلاة وحضور المسيح، بعد أن صار (مادياً) بسقوط الإنسان الأول، يعود
يصير (روحياً) بحضور المسيح فيه وتقديسه فلا يعود بعد يخص التراب والجسد وإنما يصير استعلاناً لمحبة الله لما فالماء  يتقدس والحنطة تتحول، والخمر يتجلى والزيت يسكب النعمة على الإنسان، حتى الحجارة والأخشاب والألوان.. الخ. تتدشن بالروح القدس لتعلن هذا الحضور الإلهى  فى الكون.

3- المنظور الكونى للحياة :
استمع إلى الكنيسة وهى تصلى من أجل البطريرك والأساقفة والقمامصة والقسوس والشمامسة والخدام والبتولين والمتزوجين والرئيس والوزراء والجنود والجيران والمسافرين والمرضى والمنتقلين والذين يقدمون القرابين والفقراء والذين فى منصب، ومربى الأولاد والأرملة واليتيم والغريب والضيف والزروع والهواء والمياه والبهائم والوحوش والشيوخ والأطفال والأعشاب ونبات الحقل والأشجار والنيل... الخ.
أنها الكنيسة الكونية بل قل أنها الكون الجديد، الخميرة التى تخمر العجين كله، أنها وضعت فى العالم "إسرائيل الجديد" تحمل  فى حياتها وقلبها العالم كله وتحييه  بحياتها الجديدة.

4- البعد السماوى للحياة :
"حينما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمى فهناك أكون فى وسطهم"، "هوذا كائن معنا على هذه المائدة اليوم عمانوئيل إلهنا حمل الله الذى يحمل خطية العالم.. الذى يقف أمامه جميع الطغمات السمائية" (صلاة القسمة).
لا أحد فى الكنيسة يموت! لذلك  خلال الليتورجيا يحضر المسيح القدوس  مع ملائكته ومع القديسين الذين انتقلوا  إلى السماء، هل تحضر السماء عينها  إلى الكنيسة؟ أم هل ترتفع الكنيسة نفسها  إلى السماء؟!
النتيجة واحدة هى هذه السمة السماوية  التى تغلف حياة الكنيسة، وهذا الفكر  السماوى  الذى تعيش به، وهذه  الطبيعة السماوية التى تميزها عن العالم، أن الكنيسة فى الليتورجية تسبح تسبحة السمائين كما وضعها لنا يوحنا الحبيب فى سفر الرؤيا.
قدوس قدوس قدوس رب الجنود السماء والأرض مملؤتان من مجدك الأقدس أخيراً نحتاج فى حياتنا داخل الكنيسة إلى:
1- الوعى : بما نمارسه ونتممه، الوعى بمعناه ومركزه فى علاقتنا بالمسيح.
2- المشاركة : فنحن لسنا
مشاهدين نراقب ونحلل وغنما مشاركين نتغذى وننمو.
3- الجدية والإهتمام : فنحن نشعر بحضور الله بمقدار ما نعطى لهذا الحضور معنى وقيمة فى حياتنا.
4- الإيمان : بأن هذا كله قد صار لنا.
هكذا تنقلنا الحياة الليتورجية من صحراء العقل إلى فردوس الإختبار، من رخاوة العاطفة إلى قوة الإيمان فالدعوة إلى الحياة الليتورجية هى دعوة يسوع لأندراوس ويوحنا: "تعاليا وانظرا فأتيا ونظرا أين كان يمكث ومكثا عنده ذلك اليوم" (يو 39:1).